الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **
153 سُئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ: ما هي المصارف التي يجب أن تصرف فيها الزكاة؟ فأجاب فضيلته بقوله: المصارف التي يجب أن تصرف فيها الزكاة ثمانية، بيَّنها الله تعالى بياناً شافياً، وأخبر عز وجل أن ذلك فريضة، وأنه مبني على العلم والحكمة، فقال جل ذكره: الأول والثاني: للفقراء، والمساكين، وهؤلاء يعطون من الزكاة لدفع ضرورتهم وحاجتهم، والفرق بين الفقراء والمساكين: أن الفقراء أشد حاجة، لا يجد الواحد منهم ما يكفيه وعائلته لنصف سنة، والمساكين أعلى حالاً من الفقراء؛ لأنهم يجدون نصف الكفاية فأكثر دون كمال الكفاية، وهؤلاء يعطون لحاجتهم. ولكن كيف نقدر الحاجة؟ قال العلماء: يعطون لحاجتهم ما يكفيهم وعائلتهم لمدة سنة. ويحتمل أن يعطوا ما يكونون به أغنياء، لكن الذين قدروا ذلك بسنة قالوا: لأن السنة إذا دارت وجبت الزكاة في الأموال، فكما أن الحول هو تقدير الزمن الذي تجب فيه الزكاة، فكذلك ينبغي أن يكون الحول هو تقدير الزمن الذي تدفع فيه حاجة الفقراء والمساكين الذين هم أهل الزكاة. وهذا قول حسن جيد، أي أننا نعطي الفقير والمسكين ما يكفيه وعائلته لمدة عام كامل، سواء أعطيناه أعياناً من أطعمة وألبسة، أو أعطيناه نقوداً يشتري بها هو ما يناسبه، أو أعطيناه صنعة أي آلة يصنع بها إذا كان يحسن الصنعة: كخياط، أو نجار، أو حداد ونحوه. المهم أن نعطيه ما يكفيه وعائلته لمدة سنة. الثالث: العاملون عليها: أي الذين لهم ولاية عليها من قبل أولي الأمر، ولهذا قال: ولكن كم يعطون منها؟ العاملون على الزكاة مستحقون بوصف العمالة، ومن استحق بوصف أعطي بقدر ذلك الوصف، وعليه فيعطون من الزكاة بقدر عمالتهم فيها، سواء كانوا أغنياء أم فقراء، لأنهم يأخذون الزكاة لعملهم لا لحاجتهم، وعلى هذا فيعطون ما يقتضيه العمل من الزكاة، فإن قدر أن العاملين عليها فقراء، فإنهم يعطون بالعمالة، ويعطون ما يكفيهم لمدة سنة لفقرهم. لأنهم يستحقون الزكاة بوصفين العمالة عليها والفقر، فيعطون لكل من الوصفين، ولكن إذا أعطيناهم للعمالة ولم تسد حاجتهم لمدة سنة، فنكمل لهم المؤونة لمدة سنة، مثال ذلك: إذا قدرنا أنه يكفيهم لمدة سنة عشرة آلاف ريال، وأننا إذا أعطيناهم لفقرهم أخذوا عشرة آلاف ريال، وأن نصيبهم من العمالة ألفا ريال، فعلى هذا نعطيهم ألفي ريال للعمالة، ونعطيهم ثمانية آلاف ريال للفقر. هذا وجه قولنا: يعطون كفاياتهم لمدة سنة؛ لأنهم إذا أخذوا بالعمالة صاروا لا يحتاجون إلا ما زاد على استحقاقهم العمالة لمدة سنة. الرابع: المؤلفة قلوبهم: وهم الذين يعطون لتأليفهم على الإسلام: إما كافر يرجى إسلامه، وإما مسلم نعطيه لتقوية الإيمان في قلبه، وإما شرير نعطيه لدفع شره عن المسلمين، أو نحو ذلك ممن يكون في تأليفه مصلحة للمسلمين. ولكن هل يشترط في ذلك أن يكون سيداً مطاعاً في قومه حتى يكون في تأليفه مصلحة عامة، أو يجوز أن يعطى لتأليفه ولو لمصلحته الشخصية: كرجل دخل في الإسلام حديثاً، يحتاج إلى تأليفه وقوة إيمانه بإعطائه؟ هذه محل خلاف بين العلماء، والراجح عندي: أنه لا بأس أن يعطى لتأليفه على الإسلام بتقوية إيمانه، وإن كان يعطى بصفة شخصية وليس سيداً في قومه، لعموم قوله تعالى: هؤلاء أربعة يعطون الزكاة على سبيل التمليك، ويملكونها ملكاً تامًّا حتى لو زال الوصف منهم في أثناء الحول لم يلزمهم رد الزكاة، بل تبقى حلالاً لهم، لأن الله عبر لاستحقاقهم إياها بالام فقال: أما الخامس من أصناف أهل الزكاة: فهم الرقاب، لقوله تعالى: الأول: مكاتب اشترى نفسه من سيده بدراهم مؤجلة في ذمته، فيعطى ما يوفى به سيده. والثاني: رقيق مملوك اشتري من الزكاة ليعتق. الثالث: أسير مسلم أسره الكفار فيعطى الكفار من الزكاة لفكهم هذا الأسير، وأيضاً الاختطاف فلو اختطف كافر أو مسلم أحد من المسلمين فلا بأس أن يفدى هذا المختطف بشيء من الزكاة، لأن العلة واحدة، وهي فكاك المسلم من الأسر، وهذا إذا لم يمكننا أن نرغم المختطف على فكاكه بدون بذل المال إذا كان المختطف من المسلمين. السادس: الغارمين. والغرم هو الدين، وقسم العلماء ـ رحمهم الله ـ الغرم إلى قسمين: غرم لإصلاح ذات البين، وغرم لسداد الحاجة، أما الغرم لإصلاح ذات البين، فمثلوا له بأن يقع بين قبيلتين تشاحن وتشاجر أو حروب، فأتى رجل من أهل الخير والجاه والشرف والسؤدد، وأصلح بين هاتين القبيلتين بدراهم يتحملها في ذمته، فإنا نعطي هذا الرجل المصلح الدراهم التي تحملها من الزكاة، جزاء له على هذا العمل الجليل الذي قام به، الذي فيه إزالة الشحناء والعداوة بين المؤمنين وحقن دماء الناس، وهذا يعطى سواء كان غنيًّا أم فقيراً، لأننا لسنا نعطيه لسد حاجته، ولكننا نعطيه لما قام به من المصلحة العامة. أما الثاني: فهو الغارم لنفسه، الذي استدان لنفسه ليدفعه في حاجته، أو بشراء شيء يحتاجه يشتريه في ذمته، وليس عنده مال، فهذا يوفى دينه من الزكاة بشرط أن يكون فقيراً، ولو لم يعلم بذلك. وهنا مسألة: هل الأفضل أن نعطي هذا المدين من الزكاة ليوفي دينه أو نذهب نحن إلى دائنه ونوفي عنه؟ هذا يختلف، فإن كان هذا الرجل المدين حريصاً على وفاء دينه، وإبراء ذمته، وهو أمين فيما يعطى لوفاء الدين فإنا نعطيه هو بنفسه يقضي دينه، لأن هذا أستر له وأبعد عن تخجيله أمام الناس الذين يطلبونه. أما إذا كان المدين رجلاً مبذراً يفسد الأموال، ولو أعطيناه مالاً ليقضي دينه ذهب يشتري أشياء لا ضرورة لها فإننا لا نعطيه، وإنما نذهب نحن إلى دائنه ونقول له: ما دين فلان لك؟ ثم نعطيه هذا الدين، أو بعضه حسب ما يتيسر. مسألة: هل يقضى منها دين على ميت لم يخلف تركة؟ ذكر ابن عبدالبر وأبو عبيد ـ رحمهما الله ـ أنه لا يقضى منها دين على الميت بالإجماع، ولكن الواقع أن المسألة محل خلاف، لكن أكثر العلماء يقولون: إنه لا يقضى منها دين على ميت، لأن الميت انتقل إلى الآخرة، ولا يلحقه من الذل والهوان بالدين الذي عليه ما يلحق الأحياء، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقضي ديون الأموات من الزكاة، بل كان يقضيها عليه الصلاة والسلام من أموال الفيء حين فتح الله عليه. وهذا يدل على أنه لا يصح قضاء دين الميت من الزكاة. ويقال: الميت إن كان أخذ أموال الناس يريد أداءها فإن الله يؤدي عنه بفضله وكرمه، وإن كان أخذها يريد إتلافها فهو الذي جنى على نفسه، ويبقى الدين في ذمته يستوفى يوم القيامة، وعندي أن هذا أقرب من القول بأنه يقضي منها الدين على الميت. قد يقال: يفرق بين ما إذا كان الأحياء يحتاجون إلى الزكاة لفقر، أو غرم، أو جهاد أو غير ذلك، وما إذا كان الأحياء لا يحتاجون إليها، ففي الحال التي يحتاج إليها الأحياء يقدم الأحياء على الأموات، وفي الحال التي لا يحتاج إليها الأحياء لا حرج أن نقضي منها ديون الأموات الذين ماتوا ولم يخلفوا مالاً، ولعل هذا القول يكون وسطاً بين القولين. السابع: في سبيل الله. وسبيل الله هنا المراد به الجهاد في سبيل الله لا غير، ولا يصح أن يراد به جميع سبل الخير؛ لأنه لو كانه المراد به جميع سبل الخير لم يكن للحصر فائدة في قوله تعالى: قال أهل العلم: ومن سبيل الله الرجل يتفرغ لطلب العلم الشرعي، فيعطى من الزكاة ما يحتاج إليه من نفقة وكسوة وطعام وشراب ومسكن وكتب علم يحتاجها، لأن العلم الشرعي نوع من الجهاد في سبيل الله، بل قال الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ: "العلم لا يعدله شيء لمن صحت نيته"، فالعلم هو أصل الشرع كله، فلا شرع إلا بعلم، والله سبحانه وتعالى أنزل الكتاب ليقوم الناس بالقسط، ويتعلموا أحكام شريعتهم، وما يلزم من عقيدة وقول وفعل. أما الجهـاد في سبيـل الله فنعم هو من أشرف الأعمال، بل هو ذروة سنام الإسلام، ولا شك في فضله، لكن العلم له شأن كبير في الإسلام، فدخوله في الجهاد في سبيل الله دخول واضح لا إشكال فيه. الثامن: ابن السبيل. وهو المسافر الذي انقطع به السفر ونفدت نفقته، فإنه يعطى من الزكاة ما يوصله لبلده، وإن كان في بلده غنيًّا؛ لأنه محتاج، ولا نقول له في هذه الحال: يلزمك أن تستقرض وتوفي لأننا في هذه الحال نلزمه أن يلزم ذمته ديناً، ولكن لو اختار هو أن يستقرض ولا يأخذ من الزكاة فالأمر إليه، فإذا وجدنا شخصاً مسافراً من مكة إلى المدينة، وفي أثناء السفر ضاعت نفقته ولم يكن معه شيء وهو غني في المدينة، فإننا نعطيه ما يوصله إلى المدينة فقط، لأن هذه هي حاجته ولا نعطيه أكثر. وإذا كنا قد عرفنا أصناف أهل الزكاة الذين تدفع لهم فإن ما سوى ذلك من المصالح العامة أو الخاصة لا تدفع فيه الزكاة، وعلى هذا لا تدفع الزكاة في بناء المساجد، ولا في إصلاح الطرق، ولا في بناء المكاتب وشبه ذلك، لأن الله عز وجل لما ذكر أصناف أهل الزكاة قال: ثم نقول: هل هؤلاء المستحقون يجب أن يعطى كل واحد منها أي كل صنف؛ لأن الواو تقتضي الجمع؟ فالجواب: أن ذلك لا يجب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل ـ رضي الله عنه ـ حين بعثه إلى اليمن: "أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم" فلم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم إلا صنفاً واحداً، وهذا يدل على أن الآية يبين الله تعالى فيها جهة الاستحقاق، وليس المراد أنه يجب أن تعمم هذه الأصناف. فإن قيل: أيها أولى أن تصرف فيه الزكاة من هذه الأصناف الثمانية؟ قلنا: إن الأولى ما كانت الحاجة إليه أشد؛ لأن كل هؤلاء استحقوا الوصف، فمن كان أشد إلحاحاً وحاجة فهو أولى، والغالب أن الأشد هم الفقراء والمساكين، ولهذا بدأ الله تعالى بهم فقال: * * * 252 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ: من هو الفقير الذي يستحق الزكاة؟ فأجاب فضيلته بقوله: الفقير الذي يستحق من الزكاة هو الذي لا يجد كفايته وكفاية عائلته لمدة سنة، ويختلف بحسب الزمان والمكان، فربما ألف ريال في زمن، أو مكان تعتبر غنى، وفي زمن أو مكان آخر لا تعتبر غنى لغلاء المعيشة ونحو ذلك. * * * 352 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ: من وجبت عليه الزكاة لوجود النصاب، ولكنه فقير فهل تحل له الزكاة؟ فأجاب فضيلته بقوله: ليس كل من تجب عليه الزكاة لا تحل له الزكاة، فيكون هو يزكي ويزكى عليه. * * * رسالة بسم الله الرحمن الرحيم فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظه الله ورعاه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: هناك شاب هو أكبر إخوته قدر الله عليه حادثاً مروريًّا فأصيب بالشلل، وأصبح لا يستطيع الحركة تماماً، وإنما يرفع ويوضع ويركب السيارة وينزل منها بأيدي الآخرين، وأسرته من ذوي الدخل المحدود، وأصبح الآن يعيش على ما تجود به أنفس المحسنين. فرأى بعض الأخوة أن يجمع له مبلغاً من المال ليدخل به مع شخص آخر شريكاً في بقالة أو أي عمل تجاري آخر، ليكون مصدراً لرزقه، فهل يجوز أن يُدفع له من الزكاة لهذا الغرض؟ بسم الله الرحمن الرحيم وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته لا يدفع لهم من الزكاة لهذا الغرض؛ لأن الزكاة مؤقتة فهو مادام محتاجاً يعطى من الزكاة ما يسد حاجته، وكلما نفد أعطي مرة ثانية، وهلم جرا، أما إن تبرع أحد له من غير الزكاة فهذا فيه خير كثير من الصدقة الجارية إذا استمر نفع هذا المال الذي تصدق به عليهم. 3/7/9141هـ. 452 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ: عن المرضى المصابين بالفشل الكلوي هل يجوز صرف زكاة الأموال لهم، وكذلك زكاة الحلي من أجل أن ينتفعوا بها للعلاج؟ فأجاب فضيلته بقوله: حاجة الإنسان للعلاج حاجة ملحة، فإذا وجدنا مريضاً يحتاج للعلاج لكنه ليس عنده مال يدفعه للعلاج، فإنه لا حرج أن نعطيه من الزكاة؛ لأن الزكاة يقصد بها دفع الحاجة. * * * 552 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ: هل يجوز لميسور الحال أن يأخذ الصدقة من الأغنياء؟ فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان هذا المال الذي يوزع مال زكاة فإنه لا يحل لأحد أن يأخذه، إلا إذا كان من أهل الزكاة، أما إذا كان المال صدقة من الصدقات فإن الصدقة تحل للغني، ولا يشترط أن يكون آخذها فقيراً. ولكن مع ذلك فإنني أنصح هؤلاء بأن يتعففوا بأنفسهم، ولا يذلوها في الأخذ من الصدقات، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "اليد العليا خير من اليد السفلى". ويقول: "ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يُغنه الله"، واليد السفلى هي الآخذة، واليد العليا هي الُمعطية. وإذا مرض الإنسان بحب المال بالأخذ من هؤلاء الذين يوزعون الصدقات، فإنه يوشك أن لا يمنع نفسه بأخذ ما حرم الله عليه، من زكاة لا تحل له، وكفارة لا تجوز له، وغير ذلك مما يشترط في أخذه الفقر والحاجة. فتجد بعض هؤلاء الذين ابتلوا بذلك ربما يأخذون ما يحرم عليهم، وهم أغنياء. والله الموفق. * * * 652 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ: هناك مشروع استثماري يعود ريعه لصندوق إقراض الراغبين في الزواج، لحقه بعض الديون من جراء عمارته، هل يجوز سداد هذا الدين من أموال الزكاة العامة غير المخصصة التي ترد للصندوق؟ فأجاب فضيلته بقوله: لا يجوز ذلك، لأن الزكاة خصصها الله عز وجل بثمانية أصناف لا تزيد قال ـ عز وجل ـ: * * * 752 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ: قلتم ـ حفظكم الله تعالى ـ في الفتوى السابقة: إنه لا يجوز صرف الزكاة في سداد دين المشروع الاستثماري فهل يجوز أن يسدد الدين الذي لحق المشروع الاستثماري من الزكاة سلفة ثم ترد من ريع الإيجار؟ فأجاب فضيلته بقوله: لا يجوز هذا، لأن الزكاة يجب أن تدفع إلى أهلها في حينها، ولا يجوز تأخيرها، أما إذا كانت صدقة وقد فوّضه من أعطاه إياها، وقال: افعل ما تراه أصلح. فلا حرج. * * * رسالة بسم الله الرحمن الرحيم سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظه الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد: نود أن نشكر لسماحتكم اهتمامكم بأعمال الخير والبر، لعل المولى عز وجل أن يكتب لكم الأجر والمثوبة، وأن يجعل ما قدمتموه وما تقدمونه في موازين حسناتكم يوم لقائه، إنه سميع جواد. كما نود إفادة سماحتكم إلى أن مشروع كفالة الأيتام هو من المشاريع الحيوية التي تبنتها هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية حيث تم بحمد الله تعالى كفالة ما يقارب ثمانين ألف يتيم في بلدان مختلفة من العالم الإسلامي، كما بلغت دور الأيتام التي بنتها الهيئة اثنتين وعشرين داراً، وبلغت دور الأيتام التي تدعمها الهيئة مائتين وإحدى وثمانين داراً في مختلف بلدان العالم الإسلامي. وقد ورد للمكتب استفسارات من الإخوة المتبرعين يسألون عن حكم دفع زكواتهم السنوية لكفالة يتيم معين في بلد معين، بحيث تقوم الهيئة بصرف هذا المبلغ على اليتيم لتلبية احتياجاته المعيشية والصحية والدراسية. يطيب لنا أن نعرض الموضوع بين يدي سماحتكم آملين إيضاح الحكم الشرعي في مسألة دفع أموال الزكوات وصرفها في كفالة الأيتام، علماً بأن قسط اليتيم يتحدد سنوياً ما بين (0021 ـ 0042) ريال سنويًّا حسب مستوى المعيشة في كل بلد. وفق الله سماحتكم وأثابكم وأجزل لكم الأجر والمثوبة، وأنزلكم منازل الصالحين، إنه سميع جواد. والله يحفظكم ويرعاكم. بسم الله الرحمن الرحيم وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته الأيتام الفقراء من أهل الزكاة فإذا دفعت الزكاة إلى أوليائهم فهي مجزئة إذا كانوا مأمونين عليها، فيعطى وليهم ما يسد حاجتهم ويشتري بها هو نفسه ما يحتاجون. كتبه محمد الصالح العثيمين في 61/3/7141هـ. رسالة بسم الله الرحمن الرحيم فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظه الله تعالى ووفقه لكل خير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: نرجو من فضيلتكم الإجابة على هذه الأسئلة المتعلقة بالأعمال والشؤون المالية في صندوق إقراض الراغبين في الزواج، يرد إلى الصندوق بعض الزكوات العامة وغير المخصصة: هل يجوز الصرف من هذه الأموال رواتب للموظفين العاملين في الصندوق والمصاريف النثرية الهامة التي تتعلق بسير العمل واستمراره؟ الجواب: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته: لا أرى أن يصرف من الزكاة للعاملين في ذلك، لأنهم ليسوا من العاملين عليها، وأما من الصدقات والتبرعات التي ليست بزكاة فلا بأس. /9141هـ. * * * 852 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ: هل تعتبر الهدايا التي تعطى للأهل من الزكاة المفروضة على الإنسان رغم حاجتهم إليها وعدم إمكانية شرائهم لها، والأهل متقدمون في السن؟ فأجاب فضيلته بقوله: الهدايا التي تعطى للأهل لا يجوز أن تحتسب من الزكاة، ولكن إذا كان الأقارب محاويج وليسوا ممن تجب نفقتهم على المزكي، فإنه يجوز أن يعطيهم منها، لأنها على القريب صدقة وصلة إذا كان مستحقًّا. أما من تجب نفقتهم فلا يجوز إعطاؤهم من الزكاة، مثل أن يكون أخاً للإنسان وهو غني، فإن كان ماله يتسع للإنفاق على أخيه وأخوه فقير فإنه ينفق عليه، ولا يجوز أن يعطيه من زكاته، اللهم إلا إذا كان عليه دين، فإنه يجوز أن يقضيه من الزكاة، لأن النفقة لا تجب عليه حينئذ لكونه لا يمونه أو كان له أولاد. * * * 952 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ: عندي أخت متوفاة من مدة طويلة، وهي أختي من أمي وليس لها أحد غيري، هل يجوز أن أشتري من زكاة الذهب الذي عندي أضحية أو صدقة وأتصدق لها؟ فأجاب فضيلته بقوله: لا يجوز لك أن تشتري من الزكاة التي عندك أضحية ولا عشاء لهذه الميتة، لأن الزكاة لا تصرف إلا للمصارف التي بينها الله في قوله تعالى: * * * 062 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ: بعض الناس يخرج زكاة ماله من النقود ويحتفظ بها، وعندما يحضر إليه صديق أو زائر يعز عليه يعزمه ويذبح له من زكاة ماله ويأكل معه هو وأولاده، وأحياناً تبقى معه على مدار العام، وربما تصدق على الفقراء في بعض المساجد هل هذا العمل صحيح؟ فأجاب فضيلته بقوله: الزكاة حق الله أوجبها الله في أموالنا، وبين سبحانه وتعالى مصارفها، فقال عز وجل: ولا يحل صرفها لغيرهم، كما لا يجوز صرفها لتعمير المساجد، ولا يجوز صرفها أيضاً للضيوف، ولا للأصدقاء إذا لم يكونوا أهلاً لصرف الزكاة إليهم، ولا يحل للإنسان تأخير الزكاة عن وقتها إذا وجبت بتمام الحول، بل يخرجها على الفور إذا كان متمكناً من ذلك. فعلى هذا الرجل أن يقضي الزكاة عن ماله إذا كان قدصرفها على الوجوه المذكورة في السؤال، لأن صرفها في هذه الوجوه غير مجزىء ولا مبرىء لذمته، وكذلك الهدايا للأهل والأقارب لا يجوز صرفها من الزكاة، لكن إن كانوا فقراء محتاجين إلى الزكاة ولا تلزمك نفقتهم فلا حرج أن تعطيهم منها، وكذلك إذا كانوا مدينين، وعليهم أطلاب لا يقدرون على وفائها، فإنه يجوز أن تقضي ديونهم من زكاتك، إلا أن يكون الدين الذي وجب عليهم لنفقة واجبة عليك، ولكنك تركتها حتى استدانوا، فإنه لا يجوز لك قضاؤها من الزكاة. * * * 162 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ: إذا كان لدى التاجر عمال في المحل، أو في المؤسسة براتب قدره ستمائة ريال لكل واحد، فهل يجوز للتاجر أن يعطيهم زكاة ماله؟ فأجاب فضيلته بقوله: نعم يجوز أن يعطيهم إذا كانوا من أهل الزكاة، مثل أن يكون لديهم عوائل وراتبهم لا يكفيهم، أو عليهم ديون وراتبهم لا تُقضى به الديون وما أشبه ذلك، المهم إذا كانوا من أهل الزكاة فلا حرج أن يعطيهم وإن كانوا عمالاً، أو خدماً عنده. * * * 262 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ: إذا كان الأخ لا يجد حاجته ومع ذلك فهو يصرف أكثر من نصف راتبه على الدخان فهل يصح لأخيه أن يعطيه من زكاة ماله وكذلك قضاء دينه؟ فأجاب فضيلته بقوله: لا شك أن شرب الدخان محرم، وأن المستمر في شربه مُصر على معصية، والإصرار على المعاصي الصغيرة يلحقها بالكبيرة، ولهذا أوجه من هذا المكان ـ المسجد الحرام ـ النصيحة لإخواننا الذين ابتلوا بشربه أن يتوبوا إلى الله عز وجل منه، وأن يوفروا صحتهم ومالهم بتجنبه، فإن إتلافه للمال أمر ظاهر، وإضراره بالصحة أمر ظاهر أيضاً، ولا تقولوا: إن بعض الناس يشربه ولا يتضرر، فإن هذا لو تركه لكان أصح جسماً، وأقوى نشاطاً، وأوفر مالاً أيضاً. ثم بعد ذلك نقول: هذا الذي ابتلي بشرب الدخان إذا كان فقيراً فإنه من الممكن أن نعطي الزكاة لامرأته وتشتري هي بنفسها حوائج تكمل بها البيت، ومن الممكن أن نقول له: إن عندنا زكاة، فهل تريد أن نشتري لك كذا وكذا من حوائجه الضرورية؟ ونطلب منه أن يوكلنا في شراء هذه الأشياء، وبذلك يحصل المقصود، ويزول المحظور، وهو مساعدته على الإثم، فإن من أعطى شخصاً دراهم يشتري بها دخاناً يشربه، فقد أعانه على الإثم، ودخل فيما نهى الله عنه في قوله: أما قضاء الدين عنه من الزكاة فهو جائز. * * * 362 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ: هل أعطي زكاة مالي لشاب يرغب في الزواج لأساعده على هذا الأمر؟ فأجاب فضيلته بقوله: نعم يجوز للإنسان أن يدفع زكاة ماله إلى شاب أو غير شاب إلى شخص يحتاج إلى الزواج، وليس عنده ما يدفعه مهراً، فيعطيه ما يستعين به على المهر، سواء كان قليلاً أم كثيراً، ولكن لو أن أعطينا هذا الشاب وتزوج ولم تكفه الزوجة الواحدة وأراد زوجة أخرى فهل نعطيه؟ إن كان على سبيل التشهي فلا نعطيه، وإن كان على سبيل الضرورة وأن الأولى لم تعفه فإننا نعطيه، لأن المقصود بالزكاة دفع حاجة المحتاجين، ولا شك أن حاجة الإنسان إلى الزواج من أشد أنواع الحاجة. ولو وجدنا طالب علم عنده طعام وشراب وكسوة ومسكن، لكنه يحتاج إلى كتب علم ينتفع بها، وليس لديه ما يشتري به فنشتري له كتب من الزكاة. * * * 462 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ: أنا شاب وأرغب في الزواج إلا أني لا أقدر على تكاليفه الباهظة، أخبروني ماذا أفعل؟ وهل تصح الزكاة لمن هو مثلي حتى أتزوج؟ فأجاب فضيلته بقوله: يجوز أن تصرف الزكاة لمن لا يستطيعون الزواج في زواجهم، ولكن يجب هنا أن يحتاط دافعو الزكاة، بحيث لا يسلم الزكاة لهذا الشاب إلا إذا علم أنه خطب وأجيب، لأنه قد يدعي أنه يريد الزواج فيأخذ الدراهم ولا يتزوج، وإذا علم أنها واقعة وحقيقة فإن دفع الزكاة لهذا الأمر من أفضل ما يكون؛ لأن الناس مضطرون للزواج. * * * 562 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ: رجل أراد أن يساعد قريباً معسراً يريد الزواج بمبلغ محدد من المال، ثم بدا له أن يجعل هذا المبلغ من الزكاة، فهل يصح تصرفه؟ فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان هذا القريب جرت العادة بين القبيلة أن بعضهم يساعد بعضاً عند الزواج، فإنه لا يجوز أن يساعده من الزكاة، لأنه بهذه المساعدة يقي ماله الحق العرفي المعتاد، أما إذا كان من عادة القبيلة أن يعاونوا من أراد الزواج، وأراد أن يعين هذا المتزوج من الزكاة وهو محتاج لذلك، فلا بأس به، لأن صرف الزكاة في النكاح جائز. * * * 662 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ: هل يجوز لي أن أعطي زكاة مالي لأيتام وكيلهم الشرعي والدي المتزوج والدتهم؟ فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان هؤلاء الأيتام الذين عند والدك قد اشترط على والدك نفقتهم، وكان والدك قائماً بذلك، فإنه لا يجوز أن تعطيهم من الزكاة، لأنهم مستغنون عنها بالإنفاق عليهم من قبل والدك، وأما إذا كان بقاؤهم عند والدك لغير شرط النفقة، ولم يكن لهم مال من والدهم فلك أن تعطيهم من الزكاة، لأنهم من أهلها. ولكن هنا تنبيه: وهو أن بعض الناس يظن أن اليتيم له حق من الزكاة على كل حال، وليس كذلك فإن اليتيم ليس من جهات استحقاق أخذ الزكاة، ولا حق لليتيم في الزكاة إلا أن يكون من أصناف الزكاة الثمانية. أما مجرد أنه يتيم فقد يكون غنيًّا لا يحتاج إلى زكاة. 762 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ: رجل زكاته ألف ريال ففرقها على مائة فقير كل واحد يصله عشرة ريالات هل هذا أفضل أم لو أعطاها فقيراً أو فقيرين لتسد فقره؟ فأجاب فضيلته بقوله: الأفضل ما هو أنفع، فإذا كان الفقر عامًّا للناس شائعاً بينهم، فلا شك أن توزيعها على أكثر من فقير أفضل، أما إذا كانت الحاجة في الناس ليست شاملة فإن إعطاءها فقيراً واحداً أو فقيرين لسد حاجاتهم أفضل، لأن العشرة ريالات في وقتنا الحاضر ليست بشيء، ولكن في وقت سابق لها أثرها ولها قيمتها، فينظر للإنسان ما هو أصلح. * * * 862 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ: هناك بعض النساء يجلسن عند الباعة ويظهر عليهن الفقر، فهل يصح إعطاؤهن من الزكاة؟ فأجاب فضيلته بقوله: يجوز للإنسان أن يعطي زكاته المالية، وزكاة الفطر من يغلب على ظنه أنه من أهل الزكاة، حتى وإن ظهر أنه ليس من أهل الزكاة، فإن الزكاة مقبولة، والدليل على ذلك الحديث الوراد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال رجل: لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته، فوضعها في يد سارق، فأصبحوا يتحدثون: تُصُدِّق على سارق، فقال: اللهم لك الحمد، لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يدي زانية، فأصبحوا يتحدثون: تُصُدِّق الليلة على زانية. فقال: اللهم لك الحمد، على زانية؟ لأتصدقن بصدقة. فخرج بصدقته، فوضعها في يدي غنيٍّ، فأصبحوا يتحدثون: تُصُدِّق على غني، فقال: اللهم لك الحمد على سارق وعلى زانية وعلى غني، فأتي فقيل له: أما صدقتك على سارق فلعله أن يستعف عن سرقته، أما الزانية فلعلها أن تستعف عن زناها، وأما الغني فلعله يعتبر فينفق مما أعطاه الله". ففي هذا الحديث دليل على أن الرجل إذا أخرج صدقته على من يغلب على ظنه أنه من أهل الزكاة فإنها تجزئه، ولو تبين له فيما بعد أن ليس من أهل الزكاة، وبناء على هذه القاعدة التي تعتبر من تيسير الشرع بناء عليها نقول: إذا اشتريت صدقة الفطر وتصدقت بها على من حول الباعة الذين يتحرون فلا حرج عليك في ذلك. * * * 962 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ: هل يحق لنا أن نعطي الزكاة أو شيئاً منها إلى أهالي العراق؟ فأجاب فضيلته بقوله: الذي يظهر أن أهل العراق في حاجة شديدة اليوم، فالإنسان قد يتوقف في شخص يشك أنه غني، وأما إذا كنت يغلب على ظنك أنه أهل للزكاة فأعطه منها. وعلى هذا فلا بأس أن ترسل لهم من الزكاة إذا كنت تعلم أنهم اليوم فقراء، أو يغلب على ظنك ذلك، وأما إن كنت تعلم أنهم كانوا أغنياء في السابق، وربما طرأ عليهم الفقر، فمثل هؤلاء لا ترسل لهم من الزكاة، وإنما أرسل إليه من باب الصلة أو الصدقة، لأن صلة الرحم فيها خير كثير وأجر كبير، تكفل الله سبحانه وتعالى للرحم أن يصل من وصلها، وأن يقطع من قطعها، وأن كل امرىء في ظل صدقته يوم القيامة. * * * رسالة بسم الله الرحمن الرحيم فضيلة الشيخ محمد الصالح العثيمين حفظه الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: أرجو التكرم بالإجابة على الأسئلة الآتية: 1 ـ هل يجوز أن يعطى من الزكاة من عليه دية؟ 2 ـ إذا كانت الإجابة بالنفي فما الحكمة في ذلك؟ 3 ـ وإذا افترضنا أن هذا الشخص غريب وبعيد عن وطنه وفقير؟ 4 ـ وإذا افترضنا أيضاً أن هذه الدية ناتجة عن تنازل عن القصاص؟ 5 ـ هل هذا الحكم بإجماع العلماء؟ بسم الله الرحمن الرحيم وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ج 1 ـ إن كانت الدية عليه وهو فقير فنعم، وإن كان غنيًّا فلا، وإن كانت على عاقلته وهم فقراء فنعم، وإن كانوا أغنياء فلا. ج 2 ـ لأن الزكاة إنما تدفع لمن عليه الدين إذا كان لا يستطيع وفاءه. ج 3 ـ لا فرق. ج 4 ـ يجوز دفع الزكاة عنه إذا كان فقيراً مسلماً؛ لأن الدية حينئذ واجبة عليه. ج 5 ـ هو مقتضى ما أعلمه من أدلة الكتاب والسنة. كتب الأجوبة محمد الصالح العثيمين. في 61/5/7041هـ. 072 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ: يقول نحن موظفون حكوميون تأتينا في رمضان إكراميات وزكوات من بعض رجال الأعمال ولا نستطيع التفرقة بين الزكوات والإكراميات لعدم علمنا بذلك، والسؤال: إذا أخذنا هذه الأموال ونحن في غنى عنها وأنفقناها على الأرامل والأيتام والفقراء ما الحكم؟ وإذا أنفقنا منها على أسرنا وأكلنا منها ما الحكم؟ فأجاب فضيلته بقوله: هدايا العمال من الغلول يعني إذا كان الإنسان في وظيفة حكومية وأهدى إليه أحد ممن له صلة بهذه المعاملة فإنه من الغلول، ولا يحل له أن يأخذ من هذا شيئاً ولو بطيب نفس منه. مثال ذلك: لنفرض أن لك معاملة في دائرة ما وأهديت لمدير هذه الدائرة، أو لموظفيها هدية فإنه يحرم عليهم قبولها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عبدالله بن اللُّتْبيَّة على الصدقة فلما رجع قال هذا أهدي إلي وهذا لكم. فقام النبي صلى الله عليه وسلم فخطب الناس وقال: "ما بال الرجل منكم نستعمله على العمل فيأتي ويقول: هذا لكم، وهذا أهدي إلي، فهلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى له أم لا". فلا يحل لأحد موظف في دائرة من دوائر الحكومة أن يقبل الهدية في معاملة تتعلق بهذه الدائرة، ولأننا لو فتحنا هذا الباب وقلنا: يجوز للموظف قبول هذه الهدية لكنا قد فتحنا باب الرشوة الذي يرشي بها صاحب الحق من يلزمه الحق، والرشوة خطيرة جداً وهي من كبائر الذنوب، فالواجب على الموظفين إذا أهدي لهم هدية فيما يتعلق بعملهم أن يردوا هذه الهدية، ولا يحل لهم أن يقبلوها، سواء جاءتهم باسم هدية، أو باسم الصدقة، أو باسم الزكاة، ولا سيما إذا كانوا أغنياء، فإن الزكاة لا تحل لهم كما هو معلوم. * * * 172 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ: هل الأفضل أن يعطى المدين الزكاة ليقضي دينه أو يذهب صاحب الزكاة إلى دائنه ويوفي عنه؟ فأجاب فضيلته بقوله: إن كان هذا الرجل المدين حريصاً على وفاء دينه وإبراء ذمته وهو أمين فيما يعطى لوفاء الدين، فإننا نعطيه هو بنفسه ليقضي دينه، لأن هذا أستر له أمام الناس الذين يطلبونه. أما إذا كان المدين رجلاً مبذراً يفسد الأموال، ولو أعطيناه مالاً ليقضي دينه ذهب يشتري به أشياء لا ضرورة لها، فإننا لا نعطيه، وإنما نذهب نحن إلى دائنه، ونقول له: ما دين فلان لك؟ ثم نعطيه هذا الدين، أو بعضه حسبما يتيسر. * * * 272 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ: هل كل من مد يده للزكاة يستحقها؟ فأجاب فضيلته بقوله: ليس كل من مد يده للزكاة يستحقها لأن من الناس من يمد يده للمال وهو غني، وهذا النوع من الناس يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم ـ والعياذ بالله ـ يأتي يوم القيامة، يوم يقوم الأشهاد، وعظام وجهه تلوح والعياذ بالله. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سأل الناس أموالهم تكثراً فإنما يسأل جمراً فليستقلل أو ليستكثر". وبهذه المناسبة أحذر أولئك القوم الذين يسألون الناس إلحافاً وهم في غنى، بل أحذر كل شخص يقبل الزكاة وهو ليس أهلاً لها، وأقول له: إنك إذا أخذت الزكاة وأنت لست أهلاً لها فإنما تأكل سحتاً، والعياذ بالله، فعلى المرء أن يتقي الله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يعنه الله". ولكن إذا مد إليك رجل يده وغلب على ظنك أنه أهل فأعطيته، فإن الزكاة تجزىء وتبرأ بها ذمتك، ولو تبين بعد ذلك أنه ليس بأهل فلا إعادة للزكاة، والدليل على ذلك قصة الرجل الذي تصدق بمال فتصدق على امرأة زانية فأصبح الناس يتحدثون: تُصدق الليلة على زانية، فقال: الحمد لله، وظن أن هذه الصدقة ليست في محلها، ثم تصدق الليلة الثانية فوقعت الصدقة في يد سارق، فأصبح الناس يتحدثون: تُصدق الليلة على سارق، ثم تصدق الليلة الثالثة على غني، فأصبح الناس يتحدثون تُصدق الليلة على غني، فقال: الحمد لله على زانية، وسارق، وغني. فقيل له: إن صدقتك قد قبلت، أما الزانية فلعلها أن تستعف بما أعطيتها عن الزنا فتكف عنه، وأما السارق فلعله أن يستغني فيكف عن السرقة، وأما الغني فلعله أن يعتبر فيتصدق. فانظر يا أخي إلى النية الصادقة كيف تكون آثارها، فإذا أعطيت الذي سألك وتبين أنه غني، وقد أعطيته وأنت تظن أنه فقير فإنه لا يلزمك إعادة الزكاة. * * *
|